ماهو الطائر الذي يستخدم الأدوات في تناول الطعام؟

تعد القدرة على استخدام الأدوات واحدة من أبرز علامات الذكاء التي تتجلى في عالم الحيوانات، ولا تقتصر هذه القدرة على البشر وحدهم. عبر العديد من الأنواع المختلفة من الحيوانات، من الثدييات إلى الطيور، نرى مظاهر مختلفة لاستخدام الأدوات في تيسير الحصول على الطعام أو أداء المهام الأخرى. في هذا المقال سنتناول واحدًا من الطيور الشهيرة بقدرته على استخدام الأدوات في تناول الطعام، وهو طائر الغُراب، وخاصة الغربان النيوكاليدونية، التي تعتبر من أكثر الكائنات ذكاءً على الإطلاق في هذا المجال.

ذكاء الطيور وقدراتها المعرفية

قبل الدخول في تفاصيل استخدام الغربان للأدوات، يجب أن نفهم السياق الأكبر الذي يُظهر كيف تتميز بعض الطيور بقدرات معرفية مذهلة. تُظهر الطيور قدرات عقلية قد تكون مقاربة لتلك التي تمتلكها بعض الرئيسيات، من القدرة على التعلم والابتكار إلى حل المشكلات. على سبيل المثال، تُظهر الببغاوات وعائلة الغربان بما في ذلك الغربان والغرباء والقيق تميزًا خاصًا في مجال الإدراك واستخدام الأدوات.

في الوقت الذي يُعتبر فيه الإنسان والكائنات الرئيسية الأخرى مثل القردة من أذكى الحيوانات، يمكننا القول أن بعض أنواع الطيور تتفوق بوضوح في مجالات معينة. الغربان على وجه الخصوص تبهر العلماء بقدرتها على صنع الأدوات واستخدامها بطريقة تنافس القدرات التي نشاهدها في بعض القردة. لقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن بعض الطيور لا تتعلم فقط استخدام الأدوات، بل تطور أيضًا تقنيات جديدة لتحسين فعالية تلك الأدوات.

الغراب النيوكاليدوني واستخدام الأدوات

واحد من أشهر الطيور التي تتميز بقدرتها على استخدام الأدوات هو الغراب النيوكاليدوني (Corvus moneduloides). موطنه الأصلي جزر كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادئ، وهو واحد من الأنواع القليلة من الحيوانات غير البشرية التي تمتلك مهارات متقدمة في استخدام الأدوات بشكل طبيعي. يستخدم هذا الطائر أدواته في البحث عن الطعام بشكل مشابه لما نراه في استخدام البشر للأدوات.

كيفية استخدام الأدوات

تشتهر الغربان النيوكاليدونية باستخدامها للأغصان والأوراق وغيرها من المواد الطبيعية كأدوات لالتقاط الحشرات والديدان من الأماكن الضيقة التي يصعب الوصول إليها باستخدام مناقيرها فقط. يختار هذا الطائر الغصن المناسب ويقوم بتعديله، عبر عملية تشبه النحت، لتحسين فعاليته كأداة لاستخراج الطعام.

الغربان النيوكاليدونية تستخدم أيضًا أدوات من صنعها الشخصي. يختار الطائر، على سبيل المثال، غصنًا صغيرًا، ثم يقوم بثنيه أو تشكيله ليكون مناسبًا للوصول إلى يرقات الحشرات أو الديدان التي تعيش داخل الأخشاب. هناك أيضًا تقارير عن قيام الطيور بتحسين الأدوات المستعملة، بحيث تقوم بتعديل الغصن إذا لم يعمل بكفاءة، وتستمر في هذه العملية حتى تحقق نتائج مرضية.

التجارب العلمية التي أثبتت الذكاء

أجريت العديد من التجارب العلمية على الغربان النيوكاليدونية، لتأكيد قدرتها على استخدام الأدوات بشكل واعٍ ومدروس. إحدى التجارب الشهيرة تضمنت وضع ديدان داخل أنابيب طويلة وضيقة، بحيث لا يستطيع الغراب الوصول إليها باستخدام منقاره فقط. في هذه التجربة، قامت الغربان باستخدام عصا أو غصن لدفع الدودة إلى أقرب نقطة يمكنها من خلالها التقاطها بمنقارها. هذه القدرة على التخطيط والتنفيذ تُظهر ذكاءً كبيرًا.

تجربة أخرى أظهرت قدرة الغربان على التفكير المسبق والتخطيط لاستخدام أدوات متعددة للحصول على هدف معين. في هذه التجربة، كان على الغراب استخدام أداة واحدة للحصول على أداة أخرى، ثم استخدام هذه الأداة الثانية للحصول على الطعام. هذا التسلسل المعقد من المهام يُظهر قدرة مذهلة على حل المشكلات والتفكير المسبق.

الابتكار والتعلم الذاتي

ما يجعل الغربان النيوكاليدونية متميزة أكثر هو قدرتها على الابتكار. في الطبيعة، لوحظت الغربان وهي تستخدم أدوات لم يرها العلماء من قبل، ما يعني أنها ليست فقط تكرر ما تعلمته من تجارب سابقة، بل تقوم بتطوير استراتيجيات جديدة بناءً على الظروف المحيطة. هذا النوع من التفكير الإبداعي نادر في مملكة الحيوانات، وهو يعتبر دليلًا قويًا على مدى ذكاء هذه الطيور.

نقل المعرفة بين الأجيال

جانب آخر مثير للاهتمام هو أن الغربان النيوكاليدونية يبدو أنها تنقل معرفتها بشأن استخدام الأدوات عبر الأجيال. عندما يكتشف أحد الطيور تقنية جديدة لاستخدام الأدوات، يقوم بقية الطيور في المنطقة بمراقبته وتعلم التقنية نفسها. هذا النوع من التعليم الاجتماعي يعزز من قدرات المجتمع الحيواني ككل، ويظهر أن هذه الطيور ليست فردية في تفكيرها، بل تعتمد أيضًا على التعلم الجماعي والتعاون.

مقارنة مع طيور أخرى تستخدم الأدوات

بالإضافة إلى الغربان النيوكاليدونية، هناك أنواع أخرى من الطيور التي تستخدم الأدوات، لكن بدرجات متفاوتة من التعقيد. من بين هذه الطيور:

• نقار الخشب المصري: يستخدم هذا الطائر العصا لاستخراج الحشرات من الشقوق.
• النسر الأفريقي: يستخدم الصخور لكسر قشور بيض النعام.
• الببغاء الكاكابو: يُظهر سلوكًا مشابهًا في بعض الأحيان باستخدام أدوات بسيطة لتسهيل عملية تناول الطعام.

لكن الغربان النيوكاليدونية تظل في المقدمة بفضل تعقيد الأدوات التي تصنعها وتنوع الاستخدامات المختلفة التي تتبناها.

أهمية دراسة استخدام الأدوات عند الطيور

دراسة استخدام الأدوات عند الطيور تفتح آفاقًا جديدة لفهم كيفية تطور الذكاء عبر الأجناس المختلفة. في حين أننا كنا نعتقد لفترة طويلة أن البشر وبعض الرئيسيات فقط هم القادرون على استخدام الأدوات بفعالية، اكتشفنا أن هناك عددًا كبيرًا من الأنواع التي تمتلك هذه القدرة.

أحد الدروس الرئيسية التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسات هو أن الذكاء ليس مقصورًا على الثدييات، بل يمكن أن يظهر في أنواع أخرى من الكائنات الحية التي قد تبدو للوهلة الأولى غير معقدة. الغربان، على سبيل المثال، تعتبر مثالاً رائعًا على أن الطيور تمتلك عقلاً معقدًا قادرًا على التفكير، والتخطيط، والابتكار.

استخدام الأدوات وعلاقته بتطور الدماغ

واحدة من النظريات الرائدة التي تفسر لماذا تتفوق الغربان النيوكاليدونية على غيرها في استخدام الأدوات هي أن لديها دماغًا متطورًا نسبيًا. تتوفر في أدمغة الغربان مناطق متطورة تساعدها على التفكير المعقد، والتحليل، وحل المشكلات.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن بعض أنواع الطيور لديها خلايا دماغية تُعرف باسم الخلايا العصبية المتسلسلة التي تسمح لها بتحليل المشاكل المعقدة ووضع حلول مبتكرة لها. هذا النوع من الخلايا العصبية يشبه ما يوجد لدى البشر وبعض القردة، مما يعني أن هناك تشابهًا بين كيفية معالجة المعلومات في دماغ الغربان ودماغ البشر.

الخاتمة

يظل الغراب النيوكاليدوني واحدًا من أبرز الأمثلة على الذكاء في عالم الطيور، ولا شك أن استخدامه للأدوات هو دليل قوي على أن الطيور ليست فقط كائنات تتبع غرائزها الفطرية، بل يمكنها التعلم، الابتكار، وحتى نقل المعرفة بين الأجيال.

ملخص

الغراب هو الطائر الذي يستخدم الأدوات في تناول الطعام. يستخدم الغراب الأشياء المختلفة كالعصي أو الأغصان للحصول على الطعام، ويمكنه أيضًا استخدام الحجارة لكسر قذرة المكسرات والجوز. إن قدرتهم على استخدام الأدوات والتطور في التناول تعكس ذكائهم العالي، وتعتبر هذه الخاصية مثالية عن قدرة الحيوانات على التكيف مع بيئاتها.